كتاب الغيرة
1- الغيرة - مقدمة
الشباب روح الحاضر, وأمل المستقبل, بل المستقبل المشرق لِكَنيسة الغد, وهم قوة الاجتماعات الروحية, وقلبها النابض, ولذا مكتوب "كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ، هكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ. طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جَعْبَتَهُ مِنْهُمْ" (مز 5,4:127), ومكتوب أيضاً "بَنُونَا مِثْلَ الْغُرُوسِ النَّامِيَةِ فِي شَبِيبَتِهَا. بَنَاتُنَا كَأَعْمِدَةِ الزَّوَايَا مَنْحُوتَاتٍ حَسَبَ بِنَاءِ هَيْكَل" (مز 12:144).
+ ومخلصنا الصالح قام بِرِسالته وهو شاب, وفتح أذهان الشيوخ, والمُعلِّمين إلى الحق والرحمة والإيمان والحب والخير, ولقد ترك لنا مثالاً لكى نتبع خطواته, فهو تبارك اسمه المثل الأعلى للشباب. من أجل هذا يقول معلمنا بولس الرسول "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ" (1كو 1:11).
والوحى الالهى ملئ بِحَشد زاخر لأمثلة رائعة من الشباب, وكأنَّهم نجوم تُضئ فى سماء المجد, وإنْ كان منهم نجم يُفضَّل عن نجم, كاسحق المطيع, ويوسف العفيف, وصموئيل الفاضل, وداود الغالب, ويوناثان الصديق الصدوق, ونحميا العامل, وفينحاس الغيور, وتيموثاوس الطاهر, وراعوث التقية, وأستير المجاهدة, وأبيجايل الحكيمة.
من أجل هذا يُخطئ مَنْ يظن أنَّ الحكمة وقف على الشيوخ, وأنَّ التهور والاندفاع من خصائص الشباب, فقد قال أليهو "أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ. قُلْتُ: الأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ السِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً. وَلكِنَّ... لَيْسَ الْكَثِيرُون الأَيَّامِ حُكَمَاءَ، وَلاَ الشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ" (أى 32: 69).
+ فيوسف الشاب انتصر على شهوات العالم, بينما داود الشيخ يسقط فيما يسمونه بحماقة الشباب, ودانيال الشاب المسبى فى أرض غريبة يرفض أنْ يتنجس بأطياب الملك, وكذا خمر مشروبه, بينما سليمان الحكيم الذى بدأ مُلكه وهو شاب بصورة عظيمة ومجيدة, ولكنَّه انتهى بِصُورة مؤسفة. إذ يضعف فى شيخوخته أمام نزواته, وأمَّا موسى لمَّا كبر وصار شاباً "أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ" (عب 11: 2426).
+ وكان نوح رجلاً باراً كاملاً فى كل أجياله, هكذا شهدت له التوراة قائلة "كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارًّا كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ" (تك 9:6), وبعد سنوات طويلة حافلة بالثمر المتكاثر نقرأ فى التوراة أيضاً أنَّه وقع فيما يُخجل, وهو فى شيخوخته. إذ شرب خمراً فسكر وتعرى, "فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا..., وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ" (تك 9: 2023).
+ أيضاً صموئيل رجل الله ونبيِّه, يُفضل مصالح أبنائه الشخصية على خدمة شعب الله, ولهذا اجتمع كل شيوخ إسرائيل, وجاءوا إليه, وقالوا له: "هُوَذَا أَنْتَ قَدْ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ" (1صم 5:.
+ ولقد كان عُزيَّا ابن ست عشرة سنة حين ملك فى أورشليم, وعمل المستقيم فى عينىّ الرب, وكان يطلب الله دائماً, والرب أنجحه فى كل طرقه, وبعد هذا العمر الطويل والجليل. "ارْتَفَعَ قَلْبُهُ إِلَى الْهَلاَكِ وَخَانَ الرَّبَّ إِلهَهُ، وَدَخَلَ هَيْكَلَ الرَّبِّ لِيُوقِدَ عَلَى مَذْبَحِ الْبَخُورِ... الرَّبَّ ضَرَبَهُ. وَكَانَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ" (2أخ 26: 121).
فى كل هذه السير التى لِهَؤلاء الرجال الذين تعثَّروا فى أواخر أيامهم نرى الأهمية القصوى لِنَصيحة معلمنا بولس الرسول حيث يقول "فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ" (1كو 12,11:10).
من أجل هذا يكتب معلمنا يوحنا الحبيب مُخاطباً الشباب قائلاً "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ" (1يو 14:2).
وقديماً سأل داود النبى وقال: "بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟!!" ثم أجاب هكذا "بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ" (مز 9:119), ثم جاءت المشورة المشهورة للحكيم سليمان والتى تقول "فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: «لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ»" (جا 1:12).
+ ورُبَّ سائل يسأل:
لماذا يخص فترة الشباب بالذات؟!!
1 لأنَّ أيام الشباب هى باكورة حياة الإنسان, وأفضل أوقات العمر, وفخر الحياة, ومن اللائق أنْ نُقدِّم الزهرة اليانعة, وليس الذابلة, كتعبير صادق عن أحاسيسى, ومشاعر الحب والود, فَبِالأحرى جداً إلهنا تَمجَّد اسمه ينبغى أنْ نُقدِّم زهرة شبابنا, فَمِن يده نُعطيه, وقديماً كانت الشريعة الموسوية تأمر الشعب أنْ يُعطى للرب أبكار الحنطة, والخمر, والزيت, وأبكار كل ما فى أرضهم, "كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ..." (عد 15:18, تث 4:18).
2 كما أنَّها فترة القوة كما هو مكتوب.. "فَخْرُ الشُّبَّانِ قُوَّتُهُمْ" (أم 29:20), فالشاب الذى لا يُسلِّم حياته بجملتها للمسيح فى وقت الشباب يُصبح فريسة سهلة لإبليس فَيُحطم قوته, ويكون مثله فى ذلك مثل الشخص الذى وقع بين اللصوص فَعَرُّوه وجرحوه, ثم تركوه بين حى ٍوميت.
3 أيضاً هى أنسب وقت للخدمة, تنفيذاً لأمر الرب "يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي" (مت 28:21).
4 وأيام الشباب هى فترة البناء, فالشباب يُمهِّد للرجولة, ولذلك يستعيد الحكيم سليمان مَثَل البيت لِتَشبيه جسم الإنسان فَيَقول "فِي يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ الْبَيْتِ، وَتَتَلَوَّى رِجَالُ الْقُوَّةِ..., وَتُظْلِمُ النَّوَاظِرُ مِنَ الشَّبَابِيكِ" (جا 3:12), وربنا يسوع المسيح يستخدم أيضاً هذا المثل إذ يقول "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ" (مت 24:7), ومِثْل هذا البيت يكون راسخاً مهما هبَّت الرياح (كَيوسف العفيف), وأمَّا الذى يبنى بيته على الرمل فيكون واهياً (كَعِيسو المُستبيح), "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (يه 20) لأنَّكم... "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ" (أف 2: 2022).
5 وفترة الشباب هى الوقت المناسب للتجارب الجسدية, والنفسية, والروحية, حيث يضع عدو الخير إبليس العثرات والفخاخ أمام الشباب لاقتناصهم, ولذا نُصلى فى تحليل صلاة الغروب " ونجنا من حيل المضاد, وأبطل سائر فخاخه المنصوبة لنا " حقاً "نجت أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ نجونا" (مز 7:24).
+ مِمَّا سبق يتضح أهمية وخطورة فترة الشباب فى حياة الإنسان, ولذا ينبغى دراسة قضايا الشباب المسيحى بِطَريقة موضوعية فى اجتماعاتهم المُخصَّصة لهم, وأيضاً من خلال هذه السلسلة المتواضعة من الكتب تباعاً إنْ أحبَّت نعمة الرب وعشنا لأنَّ قضايا الشباب المسيحى مُلِحَّة وضاغطة, ويجب مُعالجتها, حتى لا يستقى أحداً منهم علاجاً لِقَضاياه من خارج الكنيسة, سواء جاء ذلك من عِشرة صديق مغلوط يُفسد الذهن, لأنَّ المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة, أو من قراءة كتاب رخيص تجارى يُثير الشهوات الدنسة.
+ ويمكن تقسيم قضايا الشباب المسيحى كما يلى:
1 قضايا نفسية.
2 قضايا روحية.
3 قضايا إيمانية.
4 قضايا عاطفية.
5 قضايا اجتماعية.
6 قضايا دراسية.
7 قضايا رياضية.
+ عزيزى القارئ...
أول ما وقع فى خاطرى أنْ تصدر هذه السلسلة بحيث يشمل الكتاب الأول عدداً من الموضوعات تبحث فى القضايا النفسية, ثم يأتى الكتاب الثانى لِيُعالج عدداً آخر من الموضوعات التى تخص القضايا الروحية, وهكذا تتوالى بقية الكتب, حتى تُغطِّى جميع القضايا الشبابية السابق ذكرها, ولكنِّى رأيت بنعمة المسيح أنْ يحوى كل كتاب بين دفتيه موضوعاً واحداً, وفى هذا البحث الأول نتناول قضية نفسية, وهى الغيرة, والتى تنقسم إلى نوعيْن:
* النوع الأول: الغيرة الممقوتة.
* النوع الثانى: الغيرة الممدوحة.
وتدعيماً لهذا, وبعد تعريف الغيرة, أوردتُ الأمثلة التطبيقية فى كلا النوعيْن, ممَّا هو مُدوَّن فى الكتاب المقدس.
+ وفى ختام هذا البحث يجئ فصل أخير عن:
* شريعة الغيرة.
* ماء الغيرة.
+ يا سيدى الرب أشكرك.
وبين يديك أستودع هذا الكتاب لِتُكمل ما نقص به, وأنْ تتفضل وتمسح بروح قدسك كل كلمة فيه, لِيَأتِ بالثمر المتكاثر غفراناً ورحمة وبركة للقارئ, والكاتب معاً.
الخميس مايو 08, 2014 5:59 pm من طرف القرينى
» لعبة الترانيم
الخميس يناير 13, 2011 3:48 am من طرف Bello Fiore
» اخر اكله للى بعدك
الأحد أكتوبر 24, 2010 11:24 am من طرف تامر ابن البابا
» اهلا بكم كل واحد يدخل يعرفنا بيه باسمه الحقيقي
الأحد أكتوبر 24, 2010 11:18 am من طرف تامر ابن البابا
» توقع اللى بعدك والد وله بنت
الأحد أكتوبر 03, 2010 12:47 pm من طرف سالي
» لعبة المحلات
الأحد أكتوبر 03, 2010 12:44 pm من طرف سالي
» يقربلك ايه الاسم ده
الأحد أكتوبر 03, 2010 12:42 pm من طرف سالي
» كله يكتب جنسيته
الأحد أكتوبر 03, 2010 6:51 am من طرف سالي
» تدريبات على الهدوء =لقداسة البابا شنودة الثالث
الأحد أغسطس 22, 2010 8:37 am من طرف Bello Fiore